يعرّف الاقتصاديون فترة الكساد على أنها "تلك الفترة التي يجري الإبقاء فيها على مستوى الإنتاج منخفضًا إلى أن يتم التخلص من المخزون الفائض ولا يتم إنتاج أية منتجات جديدة حتى يكون هناك ضمان معقول بتحصيل الأرباح"، وتخفيض الإنتاج ذلك يتبعه تخفيض عدد ساعات العمل، وبالتالي تخفيض الأجور، وقد تصل كذلك إلى تخفيض عدد العمال، وتسريح بعضهم؛ مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة بوتيرة سريعة وغير مسبوقة. وقد مرت (الولايات المتحدة ) بتلك الفترة بين عامي 1929- 1939 م، إلى أن تمكن الرئيس (روزفلت ) من إخراجها منها من خلال إتباع بعض السياسات والإجراءات الاقتصادية التي أطلق عليها اسم (الصفقة الجديدة ).
يمكن القول أن أهم الأسباب التي أدت إلى حدوث الكساد الكبير، هو التغيرات العميقة التي مر بها العالم بعد الحرب العالمية الأولى، لاسيما وإن الاقتصاد حينها كان عبارة عن هيكل واحد متكامل ،يتأثر كل جزء منه بالآخر. وقد صعبّت الحرب الحركة على الناس و البضائع والأموال الانتقال من مكان لآخر حول العالم؛ فقد كان عدد الأشخاص الذين انتقلوا من أوروبا إلى دول العالم الجديد حوالي 55 مليون لكننا نجد أن هذا العدد انخفض كثيرًا فيما بعد ليس فقط نتيجة للحرب، بل أيضًا نتيجة لفرض دول العالم الجديد للعديد من القيود على المهاجرين، وكذلك فرض تعريفات باهظة على البضائع التي تصل إليها.
فقد قامت كل من (الولايات المتحدة)، (كندا) و(استراليا) بوضع العديد من العقبات أمام الهجرة إليها من كل من (الصين ) و(اليابان )، ثم فيما بعد قامت (الولايات المتحدة ) بوضع قيود تمنع الهجرة إليها من آسيا بأكملها كما بدأت في منع هجرة فئات معينة كالسياسيين والمجرمين والفقراء والمعاقين، لكنها في الوقت نفسه استمرت بالسماح لملايين المهاجرين الأوروبيين بالانتقال إليها، وبعد أن كانت (بريطانيا) هي القوة العظمى الأولى في العالم أصبحت تلك القوة في يد (الولايات المتحدة ) وهو ما كتبه المؤرخ البريطاني (إي إتش كار) قائلاً "إن زعامة العالم في عام 1918 م ذهبت بالإجماع تقريبًا إلى الولايات المتحدة".
فقد قامت (الولايات المتحدة) بتقديم العديد من الدعم المادي والقروض المالية للدول المحاربة؛ كي تنفقها على الذخائروالقذائف ورفع راية الحرب، وتحولت حينها (الولايات المتحدة) إلى أكبر دائن في العالم، وحلّت (نيويورك) محل (لندن) باعتبارها المقرض الرئيسي في شبكة الائتمان العالمية، لكن تلك الدول المقترضة قد خرجت من الحرب لتجد نفسها في وضع اقتصادي سيء لا يسمح لها بسداد ديونها وهو ما أدى إلى توقف الامداد المالي للائتمان الأمريكي.
مع توقف قدرة الائتمان على توفير المال؛ تأثرت أجور الأمريكيين؛ وجد الأمريكان أنفسهم غير قادرين على شراء كافة السلع الباهظة والكمالية التي كانوا يحصلون عليها فيما سبق كأجهزة الراديو، الفونوجراف والأجهزة المنزلية كالثلاجة الكهربائية، بالإضافة إلى السيارات التي كان الإقبال على شرائها أكبر بكثير من كافة الأجهزة السابقة؛ حيث نجد إنه بحلول عام 1929 قد تم إنتاج حوالي 23 مليون سيارة في (الولايات المتحدة).
وقد انقلبت أوضاع الاقتصاد الأمريكي رأسًا على عقب نتيجة انهيار بورصة (وول ستريت)- فيما عُرف بـِ (الخميس الأسود)- حيث انخفضت أسعار الأسهم واستمرت في الانخفاض حتى فقدت سوق الأوراق المالية أكثر من ثلث قيمتها، وفي عام 1930 م وصل انخفاض الإنفاق على السلع الاستهلاكية المعمّرة نسبة 20% وأغلقت المصانع وأفلست البنوك وبلغ معدل البطالة في هذا العام أكثر من ضعف معدله في عام 1929 م.
كتب الرئيس (هربرت هوفر) في سيرته الذاتية مدافعًا عن نفسه، أن السبب في حدوث أزمة الكساد الكبير هو الحرب العالمية الأولى التي وقعت بين عامي 1914 و 1918 م. لكن أهم الأسباب التي أدت إلى تفاقم تلك الأزمة هو الطريقة التي قرر بها الرئيس (هوفر) التعامل معها؛ فما فعله لمواجهة تلك الأزمة هو إنه لم يفعل شيئًا من الأساس؛ حيث تجنب اتخاذ أية إجراء وعلى حد تعبير السيناتور (روبرت واجنر) "فإنه في حال زيادة الضغوط لدرجة لا يمكن مقاومتها فإنه يقوم حينها باتخاذ أقل ما يمكن من الإجراءات".
اقتصر دور الحكومة في تلك الفترة الطارئة على ترديد عبارات التشجيع من وقت لآخر، وحث المواطنين الأمريكيين على التفاهم والعمل الجماعي لمواجهة الأزمة، وبخلاف ذلك لم تقم الحكومة بتقديم أي عون مالي فوري ومباشر للخروج من الأزمة؛ فجلّ ما قام به (هوفر) هو إقناع أرباب العمل بعدم تسريح أو خفض أجور العاملين لديهم؛ كي لا يؤدي ذلك إلى تدهور الأوضاع. لكن مع تحول الأوضاع للأسوأ سرعان ما تخلوا عن تعهدهم، فانخفضت ساعات العمل والأجور وارتفعت معدلات البطالة، بالإضافة إلى ذلك فقد تعرض النظام المصرفي الأمريكي أيضًا للانهيار حيث أدى انخفاض الأجور إلى انخفاض الإيداعات الجديدة التي يضعها العملاء في حسابات ادخارهم مما أدى بدوره إلى نضوب دخل البنوك حتى اضطرت إلى إغلاق أبوابها.
تزايدت أزمة البطالة حتى أصبح الصفوة من الأمريكيين يفقدون هم أيضًا وظائفهم؛ حيث فقد أعضاء الحزب الجمهوري 52 مقعدًا في مجلس النواب و8 مقاعد في مجلس الشيوخ، ولم يفعل (هوفر) لمواجهة تلك الأزمة التي علي وشك الانفجار إلا أن عارض فكرة تقديم الدعم لمن يعانون من مسألة البطالة خوفًا من انزلاق الدولة إلى الشيوعية نتيجة تدخل الحكومة في النواحي الاقتصادية.
لذا كان متوقع أن تستمر معدلات البطالة في الارتفاع حيث ارتفعت من 9% في عام 1930 إلى 16% في عام 1931 ثم 23% في عام 1932 وحين استمرت نتائج الإحصاءات باظهار المزيد من الأرقام الكئيبة، أجبر (هوفر) مدير مكتب الإحصاءات على التقاعد، ومع عدم تقديم (هوفر) أي نوع من المساعدات الفعلية المباشرة التي من شأنها أن تحل الأزمة، ظهر في الأفق مرشح جديد للرئاسة لا يسعى فقط لتقديم المساعدات بل يؤكد على ضرورة توجيهها تصاعديًا بدئاً بالفقراء وليس تنازليًا لأرباب العمل وأصحاب رؤوس الأموال، وقد كان هذا المرشح الجديد هو (فرانكين روزفلت).
اكمل قراءة الملخص كاملاً علي التطبيق الان
ثقف نفسك بخطة قراءة من ملخصات كتب المعرفة المهمة
هذه الخطة لتثقيف نفسك و بناء معرفتك أُعدت بعناية حسب اهتماماتك في مجالات المعرفة المختلفة و تتطور مع تطور مستواك, بعد ذلك ستخوض اختبارات فيما قرأت لتحديد مستواك الثقافي الحالي و التأكد من تقدم مستواك المعرفي مع الوقت
حمل التطبيق الان، و زد ثقتك في نفسك، و امتلك معرفة حقيقية تكسبك قدرة علي النقاش و الحوار بقراءة اكثر من ٤٣٠ ملخص لاهم الكتب العربية الان